"صلة رحم" .. بين صراع الأنا واستئجار الأرحام

مسلسل صلة رحم
مسلسل صلة رحم

يناقش مسلسل "صلة رحم" قضيتين غاية في الخطورة بالتوازي خلال الأحداث وهي استئجار الأرحام وأعلى درجات حب الذات، كلاهما لا يخلف وراءه إلا الدمار في أجواء تشويقية استحوذت على اهتمام قطاع كبير من المشاهدين، فأي القضيتين تتغلب على الأخرى وتسيطر عليها؟

المسلسل يعرض ضمن السباق الدرامي الرمضاني في ١٥ حلقة ويقوم ببطولته إياد نصار ويسرا اللوزي وأسماء أبو اليزيد ومحمد جمعة وغيرهم، تأليف محمد هشام عبية وإخراج تامر نادي الذي يقدم عمله الثاني كمخرج بعد مسلسل "المتهمة" عام ٢٠٢٢.

الرومانسية تخيم على غالبية الأحداث وتتحدى العراقيل أحيانا وأخرى تكون سببا فيها، فالطبيب المحب لزوجته لا يجد غضاضة في فتح أبواب مغلقة من باب الفضول، حيث تظهر حبيبته السابقة ولا يقوى على صدها، ويعرض الزواج على ثالثة في وقت يرفض فيه الانصياع لطلب زوجته بالطلاق، رغبته في وجود طفل من زوجته التي يحبها يدفعه لطريق اللا عودة غير مكترث سوى لنداء داخلي وحبه لذاته.

وسط الأجواء التي تبدو رومانسية ينتزعنا العمل لمناقشة قضية استئجار الأرحام، مبرزا مخالفته للقانون وعدم شرعيته دينيا، فالبويضة التي استخرجت من رحم زوجته "يسرا اللوزي" قبل استئصاله وتم تلقيحها من الطبيب ويجسد شخصيته "إياد نصار"، تم زرعها في رحم إمرأة أخرى ويعيش الجنين الملقح داخلها ٩ أشهر كضيف ليس لها أن تحلم باحتضانه عقب خروجه للحياة، دورها يتوقف عند ولادته وتسليمه لصاحبة البويضة الأصلية، والحلقات التالية ستكشف صعوبة فصله عنها وعقبات من نوع جديد تنتظر طبيب التخدير "حسام".

عدد من المفاجآت تتوالى واحدة تلو الأخرى تؤكد المصير المأسوي الذي ينتظر "حسام" الذي لا يتورع عن التصدي لأي عرقلة تقف في طريقه، فالجميع لا يفهم في استئجار الأرحام سوى أنه زنا لذا حرمه الشرع، بينما دينيا وقانونيا هو اختلاط للأنساب ولا يجد طريقا لتغيير قانون تجريمه ومنحه الشرعية كما يحدث في الخارج، حيث يتعاملون معه كأي وسيلة لعلاج مشاكل الإنجاب كالحقن المجهري وأطفال الأنابيب وحفظ البويضات الملحقة لاستخدامها أكثر من مرة.

الجريمة الأولى ورطت حسام في سلسلة من الجرائم وحولت حروبه لعدة جبهات خاصة وأنه طبيب ورسالته الإنسانية تتخطى أزماته كإنسان بقسم رسمي لا يأخذ تصاريح ممارسة مهنته بدونه.

قد يجد البعض أن المنطق غاب عن الأحداث وبالتالي غاب تقبلهم لتلك الأزمات المتوالية، إلا أن الحالة النفسية للطبيب تقتضي عدم إتزانه وتخبطه ولا صوت يعلو على صوته، فيقف وحيدا تائها منتظرا قدوم ابنه للحياة وانتهاء ازماته بعدها، في وقت طلبت فيه زوجته في بداية الأمر إعدام بويضاتها، وفي منتصفه طلبت الطلاق واجهاض حمل وليدها المنتظر كشرط اساسي للعدول عن الطلاق، ولا يتورع الزوج عن الاستمرار مواجها قضايا تزوير نسب بكل مراحلها.

أبرز عوامل نجاح المسلسل في الوصول لشريحة كبيرة من المشاهدين هو تطرقه لنوع جديد على مجتمعاتنا من العمليات المنتشرة في الخارج، طرق أبوابها كاملة وتناول رأي الدين فيها من خلال حوار حسام بطل المسلسل مع الداعية الشهير خالد الجندي وإصراره على محاولة إقناعه بأنها لا تختلف عن عمليات أطفال الأنابيب التي واجهت رفضا مجتمعيا ثم أصبحت عادية وفي متناول الكثيرين، وأوضح الجندي الفروق الشاسعة بين العمليتين رافضا منحه ردا يريحه، أما القضاء فسيقول كلمته خلال الحلقات القادمة بعد أن توعده شقيق زوجته المحامي بأنه لن يتهاون معه في حقوق شقيقه.

المسلسل يعضد مأساة حب الذات التي تتستر في حب زوجته وحبيبته السابقة والأم البديلة، كلهن ضحايا أنانية رجل أحببنه وسبب شقائهن وشقائه، فلن يغير المسلسل من قانون كما فعل غيره من الأعمال الدرامية كما يظن البعض، أراه يدق ناقوسا خطرا في اتجاه البعض لتنفيذه بدافع الأمل وعدم رضاهم بما قسمه لهم الله، فالعلم لا زال يذهلنا باكتشافاته والدراما تطرحه مواكبة للعصر والجمهور عليه أن يختار.

حوار المسلسل غلب عليه التكثيف والوصول للمضمون بأقل العبارات إلا القليل من المشاهد، كما حافظ على إيقاعه دون خلل بكادرات محكمة لم تعبث بها النمطية والاسهاب دون داع، والأداء التمثيلي تميز بالسلاسة والاحترافية ليس فقط مع النجوم إياد نصار ويسرا اللوزي وأسماء أبو اليزيد وسلوى محمد على ومحمد جمعة وهدى عبد الغني وغيرهم، إنما أيضا مع النجوم الجدد الذي تميز منهم عدد غير قليل منهم ريام كفارنة ومحمد دسوقي و بتول الحداد ونورا عبد الرحمن وغيرهم، فقد أجاد كل منهم أداء شخصيته وساهموا في خروج عمل فني مميز.

ترشيحاتنا